طرق مبتكرة
علاج الأمراض النفسية بطرق مبتكرة حديثة
يصاب الكثير من الناس بأمراض نفسية مختلفة وعديدة ، لا يمكن أن توصف جميعها بالجنون أو الخلل العقلي ، فهناك كثير من المسميات التي تندرج تحت الحالة النفسية المرضية كما أن له معالجات مختلفة بإختلاف أنواع الأمراض النفسية ، قد يكون منها أمراض بسيطة ومنها ما يكون مرض صعب وله تأثيرات كبيرة ، ومن بين هذه الأمراض : الإنفعالات النفسية ، القلق النفسي ، الإكتئاب النفسي ، والرهاب الإجتماعي أو ما يسمى بالخوف في المواقف الإجتماعية ، ويتشابه هذا المرض مع مرض إضطراب الشخصية التجنبية . وقد تأتي هذه الأمراض منذ الطفولة لذلك فإن الإعتقاد السائد هو أن تكوين شخصية الفرد ناتج بدرجة كبيرة عن عمليات التعليم التي مر بها خلال تفاعله مع البيئة خاصة في فترات الطفولة والشباب حيث تزداد القابلية للتعلم أثناء مراحل النمو الأولى .
فإن الأم والأب هما المسئولان بالدرجة الأولى عن تعلم الأبناء وإن كانوا يشكون من جحودهم أو عصيانهم سيجدون أنهم لم يعلموا أبناءهم عادة الشكر والتقدير مثلاً ، أو إحترام الآخر فالطفل إذا لم يتعلم أن يبدي شكره وإمتنانه – بالتعبير اللفظي – ينشأ غير شاكر وغير مقدر لعطاء الآخر ، فمسألة العلاج أو الطب النفسي لابد أن تبدأ من الصغر لتجنب أي أعراض أو أمراض نفسية قد تحدث في الكبر ، فمثلاً الطفل الإعتمادي المدلل الذي إعتمد أن يحصل بسهولة على كل شيء وكل ما يطلب ويريد ينشأ ضعيف الشخصية مهزوز عاجزاً عن الكفاح من أجل تحقيق أحلامه وأهدافه ، ويكون عرضه للإصابة بالأمراض النفسية التي تتغلغل إليه .
والطفل عادة يتعلم العادات الجيدة أو السيئة من والديه ، فالطفل الذي يرى والده لا يهتم بتقدير الآخرين والإهتمام بأمورهم ينشأ أنانياً نرجسياً يعشق ذاته ولايحب سواها.
ومن ضمن العادات التي لابد أن يتعلمها الطفل مثلاً ترتيب سريره وملابسه وكتبه … وأن ينظم يومه وساعات مذاكرته ولعبه وعلى الوالدين تشجيع الطفل على أية لمحة إيجابية والتعبير له عن السرور والإمتنان لما أصدره من سلوك حسن .
فالعلاج النفسي هو العلاج الذي تستخدم فيه مهارات وفنيات كثيرة ، أهمها الكلمة فالكلمة أسرع في الوصول وقد تكون أقوى من الدواء ، كما يقال كلمة تشفي وكلمة تمرض ، وكل نوع من العلاج النفسي يهدف إلى تخفيف أو إزالة الأعراض بالطريقة التي يعتقد في إمكانيتها ، فإن المعالج بالتحليل النفسي يهدف إلى تعديل الشخصية بصورة جذرية من خلال فهم ديناميات المرض وأسبابه الا شعورية ، إلا أن هذا الأسلوب لم يستخدم كثيراً ، وتوجه أكثر المعالجين إلى مدارس وأساليب أحدث وأكثر تأثيراً وأسرع مفعولاً ، مثل العلاج المعرفي الذي يعتمد على تعديل التفكير والعلاج السلوكي الذي يعتمد على تعديل السلوك .
ولابد من إيضاح العلاج النفسي بشكل أوسع فهو في جوهره مرور الذات بخبرة تعليمية أو إنفعالية تجعل الفرد يزيد من مهاراته … أو ما يعدل من أساليب الإستجابة لديه … مما يؤدي إلى زيادة التكيف مع المجتمع وزيادة الوعي الإستبصاري ، وتؤكد أغلب مدارس العلاج النفسي تقريباً على أهمية العلاقة بين المعالج والمريض .. وضرورة حدوث التجاوب والإنفعال بين الطرفين ، فمثلاً يمكن أن يلاحظ أي فرد أنه لا يمكن أن تغير في أفكار أو سلوكيات أي شخص آخر إلا إذا كان الشخصين مرتبطان بعلاقة وجدانية قوية أو علاقة ود وإحترام .
وإن التجاذب الإنفعالي بين المعالج والمريض أمر هام لأنه يمكن المعالج من الكشف عن المصادر الكامنة والعميقة القابعة خلف الأقنعة والدفاعات النفسية الكامنة في ظلام اللاشعور .
وتختلف أهمية العلاج النفسي بين المعالج والمريض من مدرسة إلى أخرى تبعاً لأسلوب العلاج وأهدافه في كل مدرسة .
والعلاج النفسي التقليدي يعتبر بنظر المختصين مهنة يحذر ممارستها إلا على من تلقى قدراً كبيراً من التعليم الأكاديمي والمران و التجريب العلمي في هذا المجال .
وهناك العديد من العلاجات النفسية الحديثة التي تختلف إختلافاً جذرياً عن التحليل النفسي وعن الكثير من أساليب العلاج التقليدية الشائعة والتي يسهل تعلمها وممارستها ، وذلك لتعريف المتخصص والقارئ العادي بها خاصة بعد أن اكدت عدة دراسات على القصور في مهارات المتخصصين في العلاج النفسي ، ونقص خبرة بعض الأطباء النفسيين على دمج الأدوية الحديثة مع برامج العلاج النفسي المناسبة مما ترتب عليه تأخر الشفاء وكثرة الإنتكاسات وبقاء بعض المرضى النفسيين أسرى المرض والعجز لسنوات.
وقد بدأ بعض المعالجين بالإستعانة بالدين وفق منهج علمي في علاج العديد من الأمراض النفسية ، وهناك أيضاً التعبير عن النفس ، والتنفيس عن الإنفعالات عن طريق الفنون المختلفة مثل الرسم ، الرقص ، والتمثيل ، وكذلك الموسيقى وممارسة الأنشطة الرياضية … الخ .
ويمارس بعض الأطباء نوعاً من العلاج النفسي يسمى ( العلاج النفسي التدعيمي ) من خلال إقامة علاقة حميمية مع المريض … تتسم بالود والتقدير والإهتمام والتوجيه والتشجيع … ويسمح للمريض بالإفصاح عن متاعبه وآلامه والتحدث عن بعض مشاكله وأحزانه دون الخوف
ولا عجب إذا علمنا أن الكثير من وسائل العلاج الشعبي مثل الزار والرقي .. الخ قد إعترف بها بعض علماء النفس كوسيلة من وسائل التنفيس الإنفعالي في حالات مرضية معينة ، ولكنها لا تؤدي إلى تعديل إيجابي في تفكير أو سلوكيات المريض .
وقد تسمح العلاقة الحميمة التي تنشأ بين صديقين بالتنفيس الإنفعالي وإخراج شحنات الغضب والتوتر وأيضاً المساعدة في فهم وتحليل المشكلات وتعديل التفكير فهي أيضاً تعتبر علاقة ذات طبيعة علاجية .
وهناك أنواع من العلاج النفسي منها ما يعتمد على رغبة الفرد وإرادته في تعديل سلوكه وهي تقع خارج العلاقة العلاجية التقليدية ، مثل العلاج بالإستبصار وهو أن نوع من العلاج التوكيدي ، حيث يطلب من المريض أن يتعرف بنفسه على أخطائه ، وأن يتعلم أساليب أخرى بديلة تتيح له الفرصة لتعديل السلوك الغير سوي.
وهناك أسلوب آخر في العلاج النفسي يستهدف تدريب المريض على التفكير المنطقي في حل المشكلات وإتخاذ القرارات ، والمشاركة الإيجابية في خلق القيم الإجتماعية .
ومن الأساليب البعيدة عن العلاقة المباشرة بين المعالج والمريض العلاج الموجه بالمحاضرة ، وأسلوب التجريب الذاتي يتبعه المعالجين من مدرسة العلاج النفسي ، حيث يعطى المريض بعض التعليمات للقيام بتنفيذها .
هذا إلى جانب العلاج التعليمي ، والعلاج عن طريق العمل والعلاج عن طريق الفن بوسائله المختلفة.
وقد ذكرنا في البدء عن الأمراض النفسية المختلفة بأشكالها ودرجاتها وكذلك طرق علاجها منها البسيط والذي يمكن التغلب عليه ومنها ما يعتبر مرض يحتاج إلى طرق علاجية مختلفة فمثلاً القلق النفسي الذي يندرج ضمن الأمراض النفسية التي يصاب بها بعض الأفراد فيمكن تعريفه بأنه خوف غير محدد مع توتر شديد وتوقعات تشاؤمية … يستمر لفترة طويلة تزيد عن الستة شهور .
تشخيص المرض
تنقسم الأعراض إلى أعراض نفسية تستجيب للعلاج النفسي ، وأعراض بيولوجية جسمانية تتحسن على العلاج الدوائي فمنها :
•1) قلق وشعور بالخوف من أشياء غير محددة .
•2) توقعات متشائمة .
•3) الخضة وسهولة الإستثارة والتشاجر أو الخوف .
•4) زيادة الحذر والترقب .
وتنقسم الأعراض إلى :
•1) أعراض نفسية : تؤدي هذه الأعراض إلى خوف الفرد من المواقف الإجتماعية وكذلك الإمتحانات خاصة وأنها تكون مصحوبة بصعوبة في التركيز والتذكر مع الأرق وإضطراب النوم ، والطالب القلق لا يستطيع أن يجلس ليستذكر دروسه بل يظل يتحرك هنا وهناك ويشعر بالملل وعدم الرغبة في الإستذكار .
•2) أعراض جسمانية وعضوية : توتر عضلي وإرتجاف أو رعشة، سرعة الإجهاد والشعور بألم في العضلات خاصة عند الإنفعال ،أعراض زيادة توتر الجهاز العصبي المستقل تشمل زيادة خفقات القلب وسرعة وقوة ضرباته ، العرق صعوبة التنفس والشعور بالإختناق أو كأن الهواء لا يدخل إلى الرئتين وبرودة في الأطراف ، الدوخة ، الغثيان ، الإسهال وإضطراب المعدة والأمعاء ، كثرة التبول .
وإن هذه الأعراض لا تحدث جميعها في وقت واحد وغير ضروري أن تحدث في وقت واحد حتى يتم التأكد من التشخيص بل يكفي وجود بعض الأعراض النفسية مع الأعراض الجسمية لفترة لا تقل عن (6 شهور) حتى يتأكد التشخيص ، بشرط أن لا يكون ذلك بسبب مرض آخر أو تناول عقاقير أو مواد منبهة مثل القهوة والشاي بكميات كبيرة .
وإن علاج القلق النفسي يكون مختلف من حالة إلى أخرى فمنه
•1) العلاج النفسي المعرفي : يعد من أفضل أنواع العلاج النفسي للقلق ويعرف بالعلاج المعرفي السلوكي ومن الأساليب التي تأخذ منه مثلاً تعديل التفكير والإسترخاء والتطمين التدريجي وأساليب العلاج الديني ولا بد من الإشارة إلى أن الكثير من حالات القلق ، خاصة التي تتضمن أعراضاً جسمانية تتحول إلى حالات مزمنة وفشل علاجها بسبب عدم الجمع بين العلاج النفسي المناسب والأدوية التي يجب إختيارها بدقة حتى لا تؤدي إلى الإدمان والمضاعفات الأخرى .
•2) العلاج الدوائي:والأدوية المضادة للقلق هي البنزوديازبينBenzodiazepines وتعرف بإسم المطمئنات الصغرى وإستخدامها حسب تعليمات الطبيب لا يؤدي إلى الإدمان ، بحيث يجب إستعمالها لفترة محددة لا تزيد عن الشهر ودون المبالغة في جرعاتها فإذا إستخدمت بهذا الأسلوب كانت آمنة تماماً وساعدت المريض كثيراً في التخلص من عذاب وألم وكذلك التوتر والخوف والقلق ، وكما قلنا فإن تناول الأدوية النفسية يجب أن يكون تحت إشراف طبيب متخصص حتى لا يتعرض الفرد لأي مضاعفات تزيد الحالة سوءاً .
ومن الأفضل عدم إيقاف العلاج فجأة وإنما بتخفيض الجرعة وحسب العلاج بالتدريج وأيضاً يجب الحذر أثناء أداء العمل خاصة إذا كان أمام آلات ويمنع المريض من قيادة السيارات بسبب التهدئة التي تسببها هذه الأدوية بما يؤثر على الإنتباه وسرعة ردود الأفعال .
وإذا زادت جرعة هذه الأدوية عن الجرعة المضادة للقلق فتكون كمنومات .
وإن دواء البنزوديانزين هو مجموعة من الأدوية تشمل : عقار ديازبيام Diazepam وينتج كدواء تحت عدة مسميات منها الفاليوم Valium ، والفالينيل Valinil وعقار آتيفان ، وعقارليكيوناتيل ..ألخ وغيرها من العقارات .
ويوصي الطبيب المختص عند تناول هذه الأدوية يجب الإمتناع عن تناول الكحوليات والمثبطات الأخرى للجهاز العصبي ، ولأن بعض هذه الأدوية يبقى لفترات طويلة في الدم ويزداد بالتالي عند تناول جرعات أخرى ( تأثير تراكمي ) مثل ما يحدث في دواء الفاليوم ، ولذلك فالأدوية قصيرة المفعول التي لا تبقى في الدم طويلاً تكون أفضل خاصة مع كبار السن .
ومن الأدوية المستخدمة ما يسمى بأدوية المطمئنات الكبرى لعلاج القلق و التي تستخدم يومياً منها دواء ميلريل melleril وتستخدم بجرعات صغيرة وغيرها من الأدوية .
ومن أنواع العلاج النفسي المستخدمة هو علاج الفرد لمشكلاته هو بنفسه من ناحية أن الفرد أدرى بمشاكله وظروفه الحياتية وإلمامه بها أكثر من الآخر وكذلك لعدم بوح المريض بكل ما يحدث له في حياته لأسباب تعود له هو نفسه ، وهناك خطوات هامة يجب على الفرد إتباعها لعلاج مشكلاته النفسية وبلوغه درجة أرقى من الوعي والنضج النفسي .. فعليه أن يفهم نفسه أولاً وأن يتعرف على الحيل ( الدفاعات) النفسية التي يهرب من خلالها من مواجهة مشاكله وعيوبه بشكل مباشر وصادق وعليه ثانياً أن يتحمل ألم المواجهة ومسؤوليتها والطريق الصحيح هو أن يتعلم الفرد أن يحاسب نفسه – ولو لدقائق- في نهاية كل يوم أو حتى في نهاية كل أسبوع … وأن يحاول الشخص أن يضع لنفسه كراسة خاصة يعود إليها من وقت لآخر ليدون فيها أحداثه .
وأهم شيء يجب أن يتعلمه الفرد هو مواجهة النفس وحسابها بمنتهى الصدق والشجاعة وبإنتظام … على الشخص أن يقرر الخلاص من حالة الفتور والسأم .. وأن لا نترك أنفسنا كقشة تقذفها أمواج الحياة بعشوائية مجنونة .
على الشخص أن يتعلم إذا كذب على الآخرين وراوغهم لكي يحافظ على صورته الزائفة طبعاً – أمامهم .. فلا يجب أن يكذب على نفسه – وإن عليه أن يدرك إن الإسراف في إستخدام الحيل النفسية ( كالتبرير والكبت والإسقاط .. وخلافه ) لتجنب مواجهة الحقيقة يؤدي حتماً إلى عمى البصيرة .. أو ما يطبق عليه البعض عمى القلب ، فالشخص يكذب ويصدق نفسه ويعيش في اوهام وظلال … وينغمس في ظلام لا أول له ولا آخر وعلى كل شخص أن يتخذ قرار جاد بتنظيم حياته – وأن يعود لنفسه على أن يستقطع دقائق في نهاية كل يوم … أو نهاية كل أسبوع كما أسلفنا لمحاسبة النفس وعليه كذلك ان يجيب على عدة أسئلة هامة مثل :
•1) ماذا فعلت اليوم من إيجابيات وسلبيات ؟
•2) كم كنت منظماً اليوم ؟
•3) هل أعطيت لكل من العمل والترفيه الوقت المخصص لكل منهما؟
•4) ماهي الأخطاء أو الحماقات التي بدرت منك اليوم ؟
•5) ما هي المواقف التي إنفعلت فيها وإستسلمت للقلق والتوتر ؟
•6) ما هي أسباب القلق والتوتر الحقيقية التي أعتبر أنا مسؤول عنها ؟
•7) وما هو أسلوب العلاج الذي سأتبعه لتغيير السلوكيات غير السوية والتصرفات الحمقاء غير الملائمة ؟
•8) ما هي ملاحظاتي على إتباع أسلوب – أو أكثر – من أساليب العلاج النفسي الذاتي؟
•9) وما هي أوجه القصور أو الإخفاق أو الفشل في الإلتزام بخطوات هذا الأسلوب ؟ وماهو التعديل اللازم لتجنب ذلك ؟
وحساب النفس – دون إسراف – وفهم وملاحظة الذات أمور بالغة الأهمية ولا بد من الحذر عن الإنشغال بملاحظة الذات أكثر مما ينبغي .. حتى لا ينشغل الشخص ولا يتوتر ولا ينشغل عن أن يعيش حياة تلقائية بسيطة مريحة .
ومن الأمور التي لابد للشخص أن يتعلمها هو أن يتقبل الفرد مشاعره وإنفعالاته بلا أدنى خجل وأن رغبته في تغيير بعض سلوكياته لا يجب أن تقترن بلوم النفس وتعذيب الذات ، ويتطلب الأمر فقط تعلم عادة جديدة وهي تخصيص عدة دقائق في نهاية كل يوم لتدوين ملاحظاته والإجابة على الأسئلة السابقة أو أي سؤال يأتي في ذهن الشخص وتدوينها في كراسة أو أجندة .
ويفضل أن يكافأ الشخص نفسه ، مكافأة ذاتية مادية أو معنوية ، لبث الثقة أو تنفيذ أسلوب من أساليب ( التدعيم الذاتي ) وهذا عقب النجاح في تحقيق برنامج أو تنفيذ أسلوب من أساليب تعديل السلوك ،مع مراعاة أن تكون الخطط والأهداف التي يضعها الفرد لنفسه متناسبة مع إمكانيات الفرد وقدراته الحقيقية وظروف البيئة الإجتماعية .
وإن الشخص الناضج يستمع إلى جميع الآراء والأفكار بإهتمام دون غضب أو إنفعال ويستمع أيضاً بهدوء للآراء المضادة والإنتقادات المعارضة .. ويأخذ بالجوانب الإيجابية ويلقي بالسلبية المغرضة الغير موضوعية ، وعليه أن يعتبر أن كل موقف صعب هو بمثابة إختبار أو تدريب وكذلك فرصة عظيمة للثبات الإنفعالي … ونجد في إستشارة الأقرباء والأصدقاء المخلصين وسماع آرائهم في جو من الهدوء والأمان يسمح لهم بالنقد البناء والبعد عن المجاملة وذلك من الأمور المهمة ومكسب ليس له ثمن وكذلك يمد الفرد بما يسمى بـ ( التغذية الرجعية ) ، لأن الشخص المقابل يسلط الضوء على الجوانب التي لا يراها الشخص صاحب الموضوع أو التي قد يهرب من رؤيتها .
وعلى أساس التغذية الرجعية أو الرأي الآخر أو رد الفعل يمكن للفرد أن يعدل من سلوكه ليصبح أكثر نضجاً وتوافقاً .. وإن عملية الملاحظة والمتابعة تؤدي بحد ذاتها دوراً علاجياً … فمثلاً الذي يدون عدد المرات التي يكذب فيها أو عدد السجائر التي يدخنها أو مثلاً عدد الإنفعالات التي ينفعلها بلا داعٍ سيلاحظ بعد فترة إنخفاض عدد مرات تلك العادات السيئة إنخفاضاً ملحوظاً ، وذلك لأن ملاحظة سلوك أو تصرف معين ملاحظة علمية يومية منظمة وبتركيز يؤدي حتماً إلى تغييرها نتيجة وضعها في دائرة الوعي بصورة مستمرة ومنظمة .
تحدثنا هنا عن القلق النفسي الذي هو من الأمراض التي يكون فيها الفرد بينه وبين نفسه ومواجهته لها ، أما الأمراض الأخرى والتي يكون فيها الشخص في مواجهة مع الآخرين فمنها ما يسمى( الرهاب الإجتماعي ) : وهو ما يمكن تعريفه بأنه الخوف من المواقف العامة والتي يكون فيها الفرد في مواجهة عدد من الأشخاص أو الجمهور ويتطلب مثلاً منه التحدث أمام عدد من الناس أو حتى الظهور أمامهم في حفل أو محاضرة ، وعلى الرغم من أن النسبة المحددة لحدوث هذا المرض حسب عدد من الدراسات تتراوح بين 3-5% من عامة الناس إلا إنه يعتقد بأن النسبة أكبر من ذلك وخصوصاً في مجتمعاتنا العربية ، وفي هذه الحالات لا يذهب المريض إلى الطبيب ويبقى يتألم كلما وضعته الظروف في هكذا موقف إجتماعي .
ويتشابه هذا المرض مع مرض إضطراب الشخصية التجنبية والذي يتميز بتجنب الشخص للمواقف الإجتماعية لما يحدث له من قلق وإرتباك ، وقد يصاب بعض الأشخاص بالتوتر والقلق والإرتباك في وجود بعض الناس أو عند التحدث أمام جمع من الناس وتبقى هذه الأمور مجرد سمة وسلوك ولا تزداد معها الأعراض فلا يمكن إعتبارها مرضاً .
وبما ان الحالات النفسية متعددة ومختلفة كما قلنا ففي بعض الحالات يمكن للفرد أن يساعد نفسه في تخطي الحالات البسيطة التي يتمكن منها ، وكما قلنا في حديث سابق بأن هناك طرق متعددة يقوم بها الفرد ، إلا أن هناك مسألة أخرى في طريقة العلاج تختلف عن الطرق التي ذكرناها ، فيمكن للدين أن يدخل في العلاج النفسي كطريقة حديثة وهنا يحدثنا الدكتور رامز طه إستشاري الطب النفسي ( دكتوراه في الطب النفسي كلية الطب جامعة الأزهر ) فيقول (( بعد صدور كتابي (وداعاً للقلق .. بالعلاج النفسي الذاتي ) وذلك قبل أكثر من عشرة سنوات والذي تضمن أحدث أساليب العلاج النفسي الذاتي التي إبتكرها وطورها مجموعة من كبار علماء النفس والعلاج النفسي حتى أصبحت مدارس وأساليب واسعة الإنتشار في أمريكا والعديد من الدول الغربية منذ ذلك الحين وأنا أشعر بالمسؤولية تجاه أبناء الوطن وأشعر بحاجتهم في هذا العصر المليء بالصراعات والإضطرابات إلى طرق وأساليب في العلاج النفسي الذاتي يمكن الفرد علاج مشكلاته النفسية التي لا تستدعي الذهاب إلى الطبيب النفسي ، وأيضاً كأساليب مساندة للعلاج الدوائي ، ويضيف الدكتور رامز قائلاً (( مسؤوليتي ضخمة في البحث عن أساليب علاجية جديدة ومبتكرة وتكون نابعة من القرآن الكريم وأخرى من السنة المطهرة ، ووضعها في إطار عصري وبمنهج علمي حديث يعالج مشكلات الإنسان في هذا العصر بلغته وأدواته وبطريقة مبسطة يسهل لأي شخص أن يستخدمها للتخلص من إضطراب أو مشكلة أو مرض نفسي ..)) .
ومن هذا نستدل على أن القرآن الكريم دخل في عملية الطرح النفسي وقد قام العلماء والدكاترة وعلى رأسهم د. رامز طه تشخيص المرض وفق أحدث مناهج التشخيص ومن ثم إختيار العلاج ومقارنته بأساليب علاجية أخرى ، بعدها التطبيق ثم قياس النتائج وفي حالات كثيرة تمت إعادة التجربة على عينات مختلفة من المرضى الذين تم إختيارهم بطريقة عشوائية.
وقد أجريت سلسلة من الدراسات العلمية للإستفادة من القرآن الكريم في علاج عدة أمراض ومشكلات نفسية مختلفة مثل القلق والخوف والوسواس القهري وخلافه وقد كانت النتائج في 80% من الحالات تفوق نتائج بأساليب ومدارس غربية .
وقد أكدت دراسات عديدة قوة الجانب الديني في الشخصية العربية وأن الكثيرين يلجأون إليه بدون أي توجيه في لحظات الشدة والألم النفسي .
ويحدث ذلك في الوطن العربي لأن الشخصية العربية تميل إلى الأسلوب الذي تتبعه مدارس العلاج المعرفي ( لآردن بيك) والعلاج العقلاني (لآلبرت أليس) لأنها تلجأ إلى العلاج عن طريق مخاطبة العقل والوعي وتعديل التفكير من خلال المناقشة المطبقة ودحض الأفكار الإنهزامية الخاطئة وعدم الخوض في العقد الجنسية واللاشعور وخلافه وهذا الأسلوب يتوافق تماماً مع أسلوب القرآن الكريم في علاج النفس وتصحيح إنحرافها.
وعلى مر العصور يتضح أنه قد أعتمد العلاج النفسي على الدين وإستعان به لمساعدة الإنسان في مواجهة لحظات الهزيمة والألم واليأس إلا أن إساءة البعض في إستخدام هذه الجوانب الجيدة والمهمة في حياة البشر لا يجعلنا نرفضها أو نبتعد عنها ، وإن تجاهل الحضارة الغربية لأهمية الجوانب الروحية والدينية يضعها في مأزق وذلك لأنها تكشف كل يوم آثار الإيمان والإعتقاد في النشاط النفسي والذهني وفي تغيير بيولوجيا الجهاز العصبي وكافة أجهزة الجسم وعلى سبيل المثال فقد تم التأكد بصورة جازمة على إزدياد قدرة جهاز المناعة على قهر الأمراض المختلفة حتى الأمراض الخبيثة عندما ينجح الإنسان في توظيف طاقات الإيمان الهائلة الموجودة داخله .
وقد أكد عالم النفس الأمريكي وليم جيمس wiliam james على أهمية الإيمان للإنسان لتحقيق التوازن النفسي ومقارنة القلق ، أما عالم النفس الأشهر كارل يونج carl jung فقد قال (( لم أجد مريضاً واحداً من مرضاي الذين كانوا في المنتصف الثاني من العمر من لم تكن مشكلته الأساسية هي إفتقاره إلى وجهة نظر دينية في الحياة )) .